القراءات في قوله تعالى وما كنا لنهتدى لو لا أن هدانا الله

التفسير الكبير ، الصفحة : 68 عدد الزيارات: 21207 طباعة المقال أرسل لصديق

ثم قال تعالى : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ ابن عامر "ما كنا" بغير واو وكذلك هو في مصاحف أهل الشام ، والباقون بالواو ، والوجه في قراءة ابن عامر أن قوله : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) جار مجرى التفسير لقوله : ( هدانا لهذا ) فلما كان أحدهما عين الآخر ، وجب حذف الحرف العاطف .
المسألة الثانية : قوله : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) دليل على أن المهتدي من هداه الله ، وإن لم يهده الله لم يهتد ، بل نقول : مذهب المعتزلة أن كل ما فعله الله تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد ، فقد فعله في حق جميع الكفار والفساق ، وإنما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر والمحق والمبطل بسعي نفسه واختيار نفسه ، فكان يجب عليه أن يحمد نفسه ؛ لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان ، وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنان ، وخلصها من دركات النيران ، فلما لم يحمد نفسه البتة ، وإنما حمد الله فقط .
علمنا أن الهادي ليس إلا الله سبحانه .
ثم حكى تعالى عنهم أنهم قالوا : ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) وهذا من قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا ، وقالوا : لقد جاءت رسل ربنا بالحق .
ثم قال تعالى : ( ونودوا أن تلكم الجنة ) وفيه مسألتان : المسألة الأولى : ذلك النداء إما أن يكون من الله تعالى ، أو أن يكون من الملائكة ، والأولى أن يكون المنادي هو الله سبحانه .
المسألة الثانية : ذكر الزجاج في كلمة "أن" ههنا وجهين : الأول : أنها مخففة من الثقيلة ، والتقدير : " أنه " والضمير للشأن ، والمعنى : نودوا بأنه تلكم الجنة ، أي نودوا بهذا القول .
والثاني : قال : وهو الأجود عندي أن تكون "أن" في معنى تفسير النداء ، والمعنى : ونودوا أي تلكم الجنة ، والمعنى : قيل لهم : تلكم الجنة ؛ كقوله : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا ) [ص : 6] يعني أي امشوا .
قال : إنما قال : "تلكم" لأنهم وعدوا بها في الدنيا .
فكأنه قيل لهم : هذه تلكم التي وعدتم بها ، وقوله : ( أورثتموها ) فيه قولان : القول الأول : وهو قول أهل المعاني أن معناه : صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله ، والإرث قد يستعمل في اللغة ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي ، كما يقال : هذا العمل يورثك الشرف ويورثك العار أي : يصيرك إليه ، ومنهم من يقول : إنهم أعطوا تلك المنازل من غير تعب في الحال فصار شبيها بالميراث .
والقول الثاني : أن أهل الجنة يورثون منازل أهل النار .
قال صلى الله عليه وسلم : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ؛ رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ، ثم يقال : يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون, فيقسم بين أهل الجنة منازلهم